تخسر الدول سنويًا ما يعادل 483 مليار دولار أمريكي من عائدات الضرائب بسبب التجاوزات الضريبية العالمية التي ترتكبها الشركات متعددة الجنسيات والأفراد الأثرياء، وهو ما يكفي لمنح لقاح كوفيد-19 إلى سكان العالم بأكمله أكثر من ثلاث مرات.
هذه الخسائر الضريبية تدمر على وجه الخصوص الدول الأقل دخلاً والتي تخسر ما يعادل تقريبًا نصف ميزانيات الصحة العامة مجتمعة كل سنة بسبب التجاوزات الضريبية العالمية هذه. إن ثلث المبلغ الذي تخسره الدول كل سنة من عائدات الضرائب – وهو ما يعادل مبلغ 171 مليار دولار أمريكي – يكون نتيجة التهرب الضريبي في الخارج الذي يقوم به أفراد أثرياء، والذي تدعمه السرية المالية للدول.
إلى جانب تسهيل الانتهاكات الضريبية، تتيح السرية المالية إمكانية القيام بغسل أموال غير مشروعة، وبالتالي تمكين الفساد، والتهرب من العقوبات، والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والإرهاب، والإتجار بالبشر. تتحمل كافة الدول مسؤولية تقليص مساهمتها في دعم السرية المالية مهما كان قدرها.
يُقيّم مؤشر السرية المالية بدقة وشمولية الأنظمة القانونية والمالية في كل دولة للمساعدة في تحديد الدول الأكثر مساهمة في تمكين السرية المالية، وأيضًا يسلط الضوء على القوانين والثغرات التي ينبغي على واضعي السياسات إصلاحها لكبح السرية المالية.
مسائل هامة أُشير إليها في مؤشر عام 2022
السرية المالية تتقلص عالميًا على الرغم من “الممارسات الضارة” لمجموعة الدول السبع
يُظهر مؤشر السرية المالية لعام 2022 الصادر عن شبكة العدالة الضريبية لفترة سنتين ارتفاع تصنيف دول من أكبر الاقتصادات في العالم حيث أصبح ترتيبها ضمن المراكز الأولى على المؤشر. كما يظهر المؤشر أيضًا اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم بسبب تقديمها أكبر دعم للسرية المالية تم تسجيله على المؤشر – وهو ما يعادل تقريبًا ضعف ما تقدمه ثاني أكبر دولة داعمة للسرية المالية على المؤشر حالياً وهي سويسرا.
المجموع الكلي للسرية المالية عالميًا الذي توفره الدول يستمر في التناقص. وقد شهد مؤشر السرية المالية انخفاضًا بنسبة 2% من مجموع السرية المالية الكلي، بعد انخفاض بنسبة 7% عام 2020. هذا الانخفاض يعني مجالاً أقل للأعمال التي أصبحت تحت عين المراقبة لدى محاولة الدول فرض عقوبات على الأوليغارشية الروسية مثل السرية المصرفية، والملكية المجهولة للعقارات واستغلال الصناديق الاستئمانية لنقل الثروات خارج نطاق القانون.
ويعزو المؤشر أسباب هذا التطور إلى اعتماد أو تحسين مزيد من الدول لقوانين تسجيل الملكية الانتفاعية – التي تتطلب تعريف وتسجيل هوية شخص حقيقي من لحم ودم يمتلك شركة أو وسيلة قانونية أو يتحكم بها أو يستفيد منها – وأيضًا إلى قيام بعض الدول خاصة ذات الدخل المنخفض بتحسين التعاون الدولي من أجل مكافحة غسل الأموال وتبادل المعلومات وإبرام المعاهدات والتعاون القضائي.
لكن نسبة التراجع العالمي للسرية المالية قد واجهتها نسبة تزيد عن الضعف تقف وراءها خمس دول من مجموعة الدول السبع والتي من المتوقع أن يجدد وزراء ماليتها هذا الأسبوع التزامهم بفرض عقوبات على الأصول المخفية للأوليغارشية الروسية. إذا استبعدنا الزيادات في السرية المالية التي حققتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان وإيطاليا، فإن مؤشر السرية المالية لعام 2022 يشير إلى أن السرية المالية العالمية قد تقلصت فعليًا بمقدار 5%، بيد أن هذه الدول الخمس من مجموعة الدول السبع قد زادت مجتمعة من دعمها للسرية المالية الأمر الذي خفّض الكبح العالمي للسرية المالية من 5% ليصبح 2% فاسحة المجال أكثر للأوليغارشية الروسية إضافة للمتهربين من الضرائب وغاسلي الأموال والسياسيين الفاسدين في جميع أنحاء العالم بالتحايل وإخفاء أصولهم وممتلكاتهم.
الولايات المتحدة
تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المؤشر بعد أن زادت من توفيرها للسرية المالية في العالم بنحو الثلث تقريبًا (31%) منذ عام 2020، وهو يمثل أكبر دعم للسرية المالية قد سُجل على المؤشر. القدر الذي توفره الولايات المتحدة من السرية الآن يعادل ضعفي القدر الذي توفره سويسرا التي حلت في المرتبة الثانية ضمن المؤشر. يُعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى تدهور درجة السرية لدى الولايات المتحدة من 63 إلى 67 من أصل 100؛ بسبب فشلها في تحقيق المعايير والممارسات الدولية المتعلقة بتبادل المعلومات مع البلدان الأخرى. الدول التي لم تلتزم بعد بالمعايير الدولية هذه – والتي يعود بعضها إلى أكثر من عقد من الزمان – قد قُيِّمت بصرامة أكثر في مؤشر عام 2022. وهذا الارتفاع سببه أيضًا زيادة حجم الخدمات المالية التي وفرتها الولايات المتحدة إلى غير المقيمين فيها وذلك بنسبة 21%.
الولايات المتحدة حاليًا تُغذي السرية المالية العالمية أكثر مما تفعله سويسرا وجزر كايمان وبرمودا مجتمعة معًا. وفي دراسة منفصلة نُشرت في نوفمبر 2021، أعلنت شبكة العدالة الضريبية أن الولايات المتحدة تكلف باقي العالم 20 مليار دولار أمريكي ضرائب مفقودة كل عام من خلال إتاحة غير المقيمين فيها بإخفاء أموالهم والتهرب من الضرائب.
ألمانيا
زادت ألمانيا من توفيرها للسرية المالية في العالم بنسبة تزيد عن الثلث (36%) وذلك بعد أن ارتفعت درجة السرية لديها من 52 إلى 57 من 100 وزيادة تعادل 11% في حجم الخدمات المالية التي توفرها لغير المقيمين فيها. هذا الارتفاع يُعزى أساسًا إلى تطبيق مخيب للآمال لقوانين الشفافية الجديدة التي أقرتها الدولة في الفترة التي سبقت إصدار مؤشر السرية المالية لعام 2020. أدت القوانين الجديدة التي تقتضي بتسجيل معلومات مالكي الشركات المنتفعين والصناديق الاستئمانية والشراكات إلى خروج ألمانيا لأول مرة من المراتب الأولى في مؤشر السرية لعام 2020. بيد أن القيود التي وُضعت منذ إصدار مؤشر عام 2020 أعاقت إتاحة المعلومات للعموم التي جُمعت بموجب القوانين الجديدة الأمر الذي أعاد ألمانيا من جديد لتكون ضمن المراتب العشرة الأولى، حيث تحتل الآن المرتبة السابعة على المؤشر.
إيطاليا
زادت إيطاليا من توفيرها للسرية المالية بنسبة تزيد عن الثلث تقريبًا (37%) بعد أن ارتفعت درجة السرية لديها من 50 إلى 55 من 100 وزيادة تعادل 19% في حجم الخدمات المالية التي توفرها لغير المقيمين فيها، وبالتالي قفزت إيطاليا 20 مرتبة نحو الأعلى أي من المرتبة 41 لتصبح في المرتبة 21. ارتفاع درجة السرية هذا يعود أساسًا إلى إيقاف تطبيق القوانين الخاصة بالملكية الانتفاعية وصعوبة الوصول إلى معلومات الملكية القانونية. كما أخفقت إيطاليا أيضًا في تحقيق معايير أكثر صرامة تم تبنيها خلال مؤشر عام 2022 لتقييم معايير إصدار الأحكام الضريبية والمعاملة الضريبية لدخل الاستثمار خاصة لغير المقيمين فيها.
اليابان
زادت اليابان من توفيرها للسرية المالية في العالم بنسبة 10% بسبب زيادة حجم الخدمات المالية التي توفرها لغير المقيمين فيها بمقدار 28%. ارتفعت درجة السرية بصورة طفيفة من 62.9 إلى 63.1 من 100. كما ارتفع تصنيف اليابان من المرتبة السابعة إلى المرتبة السادسة؛ وذلك بسبب خروج جزر الكايمان من المراتب الأولى.
المملكة المتحدة
زادت المملكة المتحدة من توفيرها للسرية المالية في العالم بنسبة 2% على الرغم من خفض حجم الخدمات المالية التي تتيحها لغير المقيمين فيها بنسبة 11%. درجة السرية المالية زادت من 46 إلى 47 من 100 بسبب تركيز المؤشر على أحكام المحاكم. المملكة المتحدة لا تنشر حاليًا أحكام محكمة الدرجة الأولى والمحكمة العليا. وعلى الرغم من صعود درجتها السرية، غير أن ترتيبها انخفض من المرتبة الثانية عشرة إلى المرتبة الثالثة عشر في المؤشر وذلك بعد الصعود الحاد لكل من ألمانيا والصين وتخطيهما للمملكة المتحدة.